للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المسألة الثانية: المعَانَقة، كرِهها مالك، لأنها لم تُرْوَ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلَّا مع جعفر، ولم يَجْرِ العمل بها من الصحابة بعده. قال أبو الوليد في كتاب البيان: لأن النفوسَ تنفر عنها، لأنها لا تكون إلا لوازع مِن فَرْط ألَم الشوق أو مع الأهل.

ودخل سفيان بن عُيينة على مالك رضي الله عنه فصافحهُ مالك وقال: لولا أن المعانقة بدعة لعانقتُك، فقال سفيان: عانَقَ مَن هو خيرٌ مني ومنك: عانقَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - جعفراً حين قدِم من الحبشة، قال مالك: ذلك خاص بجعفر، قال سفيان: بل عامٌّ، ما يسعُ جعفراً يسَعُنا إذا كنا صالحين، أفتأذنُ لي أن أحدِّث في مجلسك؟ قال: نَعم يا أبا محمد، قال: حدَّثني عبد الله بن طاوس عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: لَمَّا قدِم جعفر بنُ أبي طالب من أرض الحبشة إعتنقه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وقبَّلَه بيْن عينيه (٢٤٥). وقال: جعفر أشبهُ الناس بنا خَلْقا وخُلُقاً. يا جعفرُ، ما رأيتَ بأرض الحبشة؟ قال: يا رسولَ الله، بَيْنَا أنا أمشِي في بعض أزقتها، إذا سوداء، على رأسها مَكْتَل، فيه بُرٌّ، فصدَمها رجل على دابته، فوخ مكْتَلُها وانتشَر بُرّها، فاقبلَتْ تجمعه من التراب وهي تقول: ويْلٌ للظالم من دَيَّانِ يوم القيامة، ويلٌ للظالم من المظلوم يوم القيامة، ويل للظالم إذا وُضِعَ الكرسي للفصل يوم القيامة، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لا يُقَدِّس الله أمّة لا تاخذ لضعيفها من قويهاحقَّه غيرَ متعتعٍ".


(٢٤٥) روى الامام أحمد بسند صالح، وأبو داود أنه قيل لأبي ذَر رضي الله عنه: هَلْ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصافحكم إذا لقيتموه؟ قال: ما لِقيتُه قطّ إلا صافحني. وبعث إليَّ ذاتَ يوم ولم أكُن في أهلي، فلما جئْتُ أُخبِرتُ أنه أرسل إليَّ، فأتيتُه وهو على سريره، فالتزمني (أيْ عانقني، فكانت تلك أجودَ وأجْوَدَ (أي كانت معانقته له أفضلَ أكرم من المصافحة، لِمَا أفاضَه - صلى الله عليه وسلم - على جسد أبي ذر من بركة جسمه وروحِه وأسراره الجليلة على جسَد أبي ذَر رضي الله عنهُ. وقالت عائشة رضي الله عنها: قدِم زيد بن حارثة المدينة، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيتى، فأتاه فقرع الباب، فقام إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - يَجُرُّ ثوبَه (أي لبِس ثوبه وهو ذاهب لمقابلته والترحيب به شوقا إليه)، واللهِ ما رأيته عُريانا قبله ولا بعده، فاعتنقه وقبَّله" رواه الترمذي بسند حسَنٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>