للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وها هنا مسائلُ:

المسألة الأولى: المصافَحَة:

ففي الحديث عن رسول - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تلاقَى الرجلان فتصافَحَا تحاثَّتْ ذنوبُهما، وكان أقربُهما إلى اللهِ أقربَهما بِشْراً"، وهذا يقتضي أن المصافحة إنما شُرِعت عند اللقاء لا عند الفراغ من الصلاة، وذُكر عن مالك كراهةُ المصافحة، والمشهور أنها مستَحبة، قاله أبو الوليد بن رشد (٢٤٤).


= رواه اصحاب السنن. وهو دليل على جواز القيام للشخص، إجلالا له وتقديرا واحتراما. وعن أبي مجلز رضي الله عنه قال: خرج معاوية على ابن الزبير، وابن عامر، فقام ابن عامر وجلس ابن الزبير، فقال معاوية لابنٍ عامر: إجْلس، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: منْ أحَبَّ أن يَمْثَلَ له الرجال قِيَاما فليتبوأ مقعده من النار"، رواه أبو داود ورواه الترمذي بلفظ: "من سَرَّه أن يتمثل له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار".
قال القرافي: وبهذا يُجْمَعُ بين قوله عليه الصلاة والسلام عن حب الانسان أن يقومَ له الناس، وبين قيامه - صلى الله عليه وسلم - لعكرمة بن أبي جهل لَمَّا قدِمَ من اليمين، فرحا بقدومه، وقيام طلحة بن عبدالله لكعب بن مالك ليهنئه بتوبة الله تعالى عليه بحضور النبي عليه السلام، ولم ينكر عليه ذلك، فكان كعبٌ يقول: لا أنساها لطلحة".
(٢٤٤) قال القرافي رحمه الله: حجَّة الكراهة (أيْ عند مالك) قوله تعالى حكاية عن الملائكة لما دخلوا على ابراهيم عليه السلام: "قالوا سلاما، قال: سلامٌ"، قال مالك: ولم تُذْكَر المصافحة، ولأنَّ السلام ينتَهِي فيه للبركات، ولا يرادُ فيه قول ولا فِعْلٌ ثم زاد القرافي قائلا: حجة المشهور ما في الموطأ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تصافحُوا يذْهَبْ الغِلّ (أي الحِقد)، وتهادَوْا تَحَابُّوا، وتَذهَبْ الشحناء (أيْ البغضاء بينكم). أخرجه الامام مالك في الموطأ، عن عطاء بن أبي مسلم عبد الله الخراساني .. وقال الحافظ المنذِري في كتابه "الترغيب والترهيب": رواه مالك هكذا معْضَلا، وقدْ وُصِلَ من طرُق فيهاَ مقال. ومعلُومٌ أن الحديث المعْضَلَ هو الذي سقَط من سنده راويان اثنان في الموضع الواحد، سواءٌ أكان من أول السند أو وسطه او آخره، وإليه الاشارة في شطر بيت من منظومة البيقونية لناظمها الشيخ عمر بن محمد بن فتوح الدمشقي رحمه الله، حيث قال: والمعْضَلُ الساقِطُ منه اثنانِ".
وهو يُعتبر نوْعاً من انواع الحديث الضعيف كما هو مقرر في موضعه.
قلت: والظاهر من النصوص الواردة في تحبيب المصافحة، مع السلام، أنها مشروعة مطلقا عند اللقاء، أو بعد الصلاة مع الجماعة، وأنها مستحبة عند اللقاء على المشهور وهو محل اتفاق، وبعد الصلاة وغيرها من حالات التقاء المسلم والتقائه بأخيه المسلم، لأنها بعد الفراغ من الصلاة مع الجماعة اشرف حالات التقاء المسلم باخيه المسلم، ليس فيها إلا الخيرُ، وتحقيقُ ما يدعوا إليه الاسلام ويحث عليه من المودة بين المسلم وأخيه المسلم، وهو مقصدٌ شرعي حكيم، يمكن اعتباره من باب السنة الحسنة التي يكون لِمَنْ سَنَّها أجرُهَا وأجْر من عمل بها، والله أعلمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>