للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال شهاب الدين: قوله عليه السلام: "ليس وراءَ ذلك من الايمان حبَّةُ خردل" (٢٥٤)، مراده الايمان الفعلي الوارد في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (٢٥٥)، فأقوَى الايمان الفعلي ما كان باليد، وبعده ما كان بالقول، وأضعَفُهُ ما كان بالقلب، ولم يتعرض للايمان المطلق.

وهنا ست مسائل:

المسألة الأولى: الوالدان يُومَرَانِ بالمعروف ويُنهَيَانِ عن المنكر، ويُخفَضُ لهما جناحُ الذل من الرحمة (٢٥٦).


(٢٥٤) إشارة إلى حديث صحيح أخرجه الإِمام مسلم في كتاب الإيمان عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من نبى بعثه الله في أمّةٍ قَبلي إلا كان له من أمته حواريون (أي أنصار يومنون به ويدافعون عنه، ويناصرونه في دعوته ورسالته)، وأصحاب ياخنون بسنته، ويقتدون بأمره.- ثم إنها (أي الحال التي تأتي بعدهم) ئخْلُفُ من بعدهم خُلُوفْ يقولون مالا يفعلون، ويفعلون مالا يومَرون، فمن جاهدهم بيده فهو مومن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مومن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مومن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبًةُ خَرْدلٍ ". أي ليس وراء ذلك شيء من الإِيمان.
وقد وردت هذه الكلمة في قول الله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ}. سورة الأنبياء، الآية ٤٧.
(٢٥٥) المراد بالإيمان في الآية الصلاةُ، ذلك أنه لما نزل قولُ الله تعالى من أول هذه الآية: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ}. سورة البقرة، الآية ١٤٣.
لما نزلت هنه الآية تسَاَءلَ بعض المسلمين عن إخوانهم الذين ماتوا قبل خويل القبلة بالتوجه في الصلاة إلى الكعبة المشرَّفة، وعن مصير الصلاة التي كانوا يصلونها نحو بيت المقدس، فأنزل الله سبحانه هذه الآية الممريمة تُطَمئْنهم على قَبولها وثُبوت أجرها وثوابها عند الله تعالى، وهو سبحانه ذو الفضل العظيم.
(٢٥٦) إشارة إلى قوله تعالى إلى الإحسان إلى الوالدين والتواضع لهما: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (٢٣) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا}. الآيتان ٢٣، ٢٤. من سورة الاسْرَاء.
وكذلك قوله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} سورة لقمان. الآية ١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>