قلت: وقد ذكَرَ الإِمام العلامةُ ابن فرحون في كتابه الشهر: (تبصرةِ الحكام في أصول الاقضية ومناهج الأحكام) المواصفات المطلوبة في القاضي، وأوردَها نقلا عن القاضي عياض في كتابه التنبيهات قائلا: وشروط القضاء التي لا يتم القضاء إلا بها، ولا تنعقد الولاية ولا يستدام عقدها إلَّا بها عشرة: الاسلام، والعقل والذكورية، والحرية، والبلوغ، والعدالة، والعلم، وكونه واحداً، وسلامة حاسة السمع والبصر من العَمى والصَّمَمِ، وسلامةُ اللسانِ من البَكَمِ. فالثمانية الاول هي المشترطَة في صحة الولاية، والثلاثةُ الآخَرُ ليست شرطا في الصحة، لكنْ عَدَمُها يوجب العزل ... ". ومن ثَمَّ قال الشيخ خليل رحمه الله في مختصره الفقهي المالكي: باب: أهْلُ القضاء عدل، ذَكَر، فَطِنٌ، مجتهدٌ إن وُجدَ، وإلَّا فأمْثلُ مقلِّدٍ (أي أكملُ مقلد" .... الخ. وقد جمَعَ الفقيه العلامة القاضي الشهير أبو بكر بن محمد ابن عاصم الغرناطي المالكي، رحمه الله الشروط المطوبة في القاضي، وذلك في منظومته المشهورة والمتداولة بين العلماء في فقه القضاء والمسماة: تحفة الحكام في نُكَتِ العقُودِ والأحكام، فقال: مُنَفْذٌ بالشرع للأحكام ... له نيابَةٌ عن الإِمام واستُحسِنَتْ في حقه الجزالة ... وشَرْطُه التكليف والعدالة وأن يكون ذَكراً حُراً سَلِم ... من فقد رؤية وسمْعٍ وكلِمْ ويستَحبُّ العلم فيه والورَعْ ... مع كونهِ الاصولَ للفقه جَمَعَ قال شراحها رحمهم الله: المراد بالجزالةِ أصالَة الرأي، والإِتقانُ والإِحكامُ. والعلم مطلوب فيه لا على سبيل الاستحباب فقط، كما قد بتبادرُ من عبارة الناظم، وكما يراهُ بعض الفقهاء الأعلام رحمهم الله، بل العلمُ بالاحكام الشرعية، والفهمُ الدقيق لها، من الشروط الواجبة في القاضي على ما ذكره بعض مشاهير الفقهاء الاعلام كالقاضي عياض، والقاضي أبي بكر ابن العربي المعافرى، والمازني وغيرهم، رحمهم الله، فليرجع إلى الموضوع في محله ومظانه من رغب في زيادة الاطلاع والتوسع في ذلك.