للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعرف بمصالحهم، وعلى الإِمامة في الصلاة، (٢٨٦) وكذا سائر الخُطط، فتقدَّم المرأة في الحضانة على الرجال، لأنها أحسن قياما بالصغير من الرجل. (٢٨٧)


(٢٨٦) أيْ مَنْ هو أعرَف بأحكامها، ويُوضح ذلك عبارة القرافي هنا رحمه الله حيث قال:
"ويقَدَّم في الصلاةِ مَن هو أعرفُ بأحكامها وعوارض سَهوها واستخلافها، وغير ذلك من عوارضها ومصالحها حتى يكون المقدم في بابٍ، ربَّما أخّر في باب آخر، كالنساء مقدَّماتٌ في باب الحضانة على الرجال، لأنهن أصبَرُ على أخلاق الصبيان، وأشد شفقة ورأفة، وأخِّرنَ في الإمامة والحروب وغيرها من المناصب، لأن الرجال أقْوَمُ بمصالح تلك الولايات منهن". وقد عقب الشيخ ابن الشاط رحمه الله على هذا الكلام عند القرافي ففال: إن اراد بقوله من هو أقومُ بمصالحها، مَن هو متصِف بالأهلية لذلك وبمَن هو دونه من ليس متصفا بالاهلية لذلك فلا خفاء أنه يجب تقديم المتصف دون غيْره، وان أراد بمن هو أقْوَم بمصالحها من هو اُتم قياماً مع أن من هو دونه مِمنْ له أهلية القيام بها، ففى ذلك نظَرٌ، والأظْهرُ عند التأمل في ذلك أنه لا يجبُ وجوبَ حَتم، تقديمُ الأقْوَم بتلك المصالح، بل يجوز تقْديمُ غَيْرِ الأقْوَم بها، وتَقديمُ الأقْومَ أولى. ودليل ذلك أن المقصودَ بن تلك المصالح حاصل بكل واحد منهما، لأنَّه مُتَّصِفٌ بالأهلية لذلك، فلا وجة لتَعيُّن الْأقومَ إلَّا على وجه الأوْلويةِ خاصةً ... الخ.
قلت: ومما يدُلُّ على تقديمِ الأفقه والأصلح في أُمامة الصلاة، قوْلُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَؤمُّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله (أيْ أحفظُهُم له)، فإن كانوا في القرآة سواءً فأعلَمُهم بالسُّنَّةِ، (أيْ بما سَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - وبَيَّنَهُ لأمته من أحكام الصلاة قولا وفعلا)، فإن كانوا في السُّنَّةِ سواء فأقْدمُهُم هجرةً (أيْ
أقدمهم في الانتقال من مكة إلى المدينة)، وهذا خاص بزمان النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابة في عهده، اذ لا هجرة بعد فتح مكة)، فإن كانوا في الهجرة سواءً فأقْدَمُهُم سِنًّا (أي أكبَرُهمْ سِنًّا)، ولا يَؤمَّنَّ الرَّجلُ الرجُلَ في سلطانه (أيْ في خل ولايته، حاكما، كانَ أو إماما راتباً، أو صاحب دار، فلا ينبغي له أن يتقدم للإمامة في الصلاة به أو بمن معه إلا باذنه)، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا باذنه"، أي لا يقعد على بعض الاشياء والأثاث الخاصة بصاحب المنزل كالسرير والاريكة مثَلاً إلْا بإذنه، لأنه من الأدب الموجِبِ للألفة، والسلوكِ المحافظِ على دوام المودة والمحبة وصفاءِ القلوب): أخرجه عن أبي مسعود رضي الله عنه، كل من الايمة: مسلم، وأبُو داود، والترمذي والنَّسائي رحمهم الله.
(٢٨٧) تقديم النساء في الحضانة للاطفال والاولاد على الرجال هو موضوع الفرق الثامن والسبعين والمائة بين فاعدة الحضانة يقَدَّم فيها النساء على الرجال، بحلاف جميعِ الولايات يقَدَّم فيها الرجال على النساء)، وهو أن قاعدة الشرع أنه يُقدّم في كلّ موطن وكلّ ولاية من هو أقْوَمُ بمصالحها". جـ ٣. ص ٢٠٥. وهو من الفروق القصيرة عند القرافي، ذكر فيه أمثلة لتلك القاعدة الشرعية، ولم يعلق عليه بشيء، الشيخ ابن الشاط رحمه الله.
ونظرا لأهمية هذا الفرق واختصاره رأيت أن أنقله بتمامه وكماله عن القرافي رحمه الله، كما ذكره، لأنه مما ينير السبيل في تولية الولايات والخُطط الشرعية لمن يولونها، واختيار القائمين عليها، ويوضح أن علماءنا وفقهاءنا كانوا يبينون مقاييسَ شرعية لمن تُسْنَدُ إليهِا وظيفة من الوظائف، يتحقق بما ومن خلالها وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، كما يقال الآن. =

<<  <  ج: ص:  >  >>