ثالثأ: بيان أمور توهم بعضهم أنها من مدارك اليقين، وليست منها:
ما سبق هي مدارك اليقين التي تصلح لمقدمات البراهين، وهناك
أمور توهم بعضهم أنها من مدارك اليقين وليست منها، وهما:
١ - الوهميات
٢ - المشهورات.
أما الوهميات فهي: قضايا الوهم بأن كل موجود ينبغي أن يكون
مشاراً إلى جهته، وأن موجوداً لا متصلاً، ولا منفصلاً، ولا
خارجاً، ولا داخلاً محال، لأن إثبات شيء مع القطع بأن الجهات
الست خالية عنه محال، وهذا عمل قوة في التجويف الأوسط من
الدماغ، وتسمى وهمية شأنها ملازمة المحسوسات، ومتابعتها
والتصرف فيها.
وهذه القضايا الوهمية مع أنها كاذبة فهي لا تتميز عن الأوليات
القطعية.
مثل قولك: لا يكون شخص في مكانين، بل تشهد به أول
الفطرة، كما تشهد بالأوليات القطعية، وليس كل ما تشهد به
الفطرة قطعاً هو صادق، بل الصادق هو ما تشهد به قوة العقل
الصحيح فقط.
أما المشهورات فهي آراء محمودة توجب التصديق بها، إما بشهادة
الكل، أو بشهادة الأكثر، أو بشهادة جماهير من الأفاضل مثل:
"الكذب قبيح "، و " كفران المنعم قبيح "، و " شكر المنعم حسن "
و" إنقاذ الذين شارفوا على الهلاك حسن "، و " إيلام البريء قبيح "
وهذه الأحكام قد تكون صادقة، وقد تكون كاذبة، فلا يعول عليها
- في مقدمات البراهين، لأنها لم تكن من مدارك اليقين.
وإنما انغرس قبولها في النفس بأسباب كثيرة تعرض من أول الصبا،