وذلك بأن تكرر على الصبي، ويكلف اعتقادها، ويحسن ذلك عنده
وربما يحمل على اعتقادها حب التسالم وطيب المعاشرة، وربما تنشأ
من الحنان ورقة القلب والطبع، فترى أقواماً يصدِّقون بأن ذبح البهائم
قبيح حتى وصل بهم الأمر إلى الامتناع عن أكل لحومها، وربما يحيل
على التصديق بها الاستقراء والتتبع الكثير، وربما كانت القضية
صادقة، ولكن بشرط دقيق لا يتفطن الذهن لذلك الشرط، ويستمر
على تكرير التصديق، فيرسخ في نفسه كمن يقول - مثلاً -:
"التواتر لا يفيد العلم "، وعلّل ذلك بقوله: " إن خبر كل واحد
من المخبرين لا يفيد العلم، فخبر الجميع لا يفيد العلم؛ لأنه لا
يزيد على الآحاد "، وهذا معروف غلطه؛ لأن كل واحد لا يفيد
خبره العلم بشرط الانفراد، وعند التواتر فات هذا الشرط، فهذا
القائل: ذهل وغفل عن هذا الشرط، وذلك لدقته، فصدَّق به
مطلقاً واعتقده.
فالمستفاد من الوهميات لا يصلح لصناعة البرهان، والمشهورات
تصلح للفقهيات الظنية، والأقيسة الجدلية، ولا تصلح لأن تكون
مقدمات للبراهين.
رابعاً: أضداد اليقين:
لما عرفنا فيما سبق اليقين وهو: العلم القطعي بالأشياء التي لا
تحتمل النقيض، أو ما قطعت به النفس، وعرفنا مداركه، وما لا
يفيده: كان لا بد لنا أن نعرف أضداد اليقين؛ ليعرف اليقين أكثر
والفرق بينه وبين غيره، فأقول:
أضداد اليقين هي: " الظن "،. و " الشك "، و " الوهم "،
و"السهو"، و " الجهل "، وإليك بيانها:
١ - الظن هو: ترجيح أحد الاحتمالين في النفس على الآخر من
غير قطع، وقيل: تجويز أمرين، أحدهما أقوى من الآخر.