المسألة الثامنة: هل يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى
وقت الحاجة - وهو وقت وجوب العمل بمقتضاه -؟
لقد اختلف في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: يجوز تأخير البيان عن وقت الخطاب إلى وقت
الحاجة مطلقاً، أي: سواء كان المراد بيانه له ظاهر يُفهم ويُعمل به
كالعام والمطلق، أو ليس له ظاهر كالمجمل.
وهو مذهب جمهور العلماء، وهو الحق؛ للأدلة التالية:
الدليل الأول: العقل دلَّ على جواز تأخير البيان عن وقت
الخطاب إلى وقت الحاجة مطلقاً، بيانه:
أن هذا لا يترتب على فرض جوازه محال؛ لأن غاية ما في الأمر
هو: جهل المكلَّف بما كُلِّف به مدة من الزمن، وهذا ليس بمحال،
ولا يؤدي إلى المحال فهو إذن جائز.
الدليل الثاني: الوقوع، فقد وقع تأخير البيان عن وقت الخطاب
إلى وقت الحاجة في الشريعة، والوقوع دليل الجواز، وإليك بيان
المواضع التي وقع فيها ذلك من الكتاب والسُّنَّة:
الموضع الأول: قوله تعالى: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (١٩) .
فإن معنى: (فَإِذَا قَرَأْنَاهُ) : أنزلناه؛ لدلالة قوله: (فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) ،
حيث أمر اللَّه تعالى نبيه بالاتباع بفاء التعقيب،
ولا يتصور ذلك قبل الإنزال لعدم معرفته به، وإنما يكون بعد الإنزال
وإذا كان المراد بقوله: (قَرَأْنَاهُ) هو: الإنزال: فإن قوله:
(ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) يدل على تأخير البيان عن وقت الإنزال؛ لأن " ثم "
للمهلة والتراخي.