للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدليل الثاني: أن السيد لو قال لعبده: " اسقنى ماء "، فلم

يسقه، فإنه يستحق - عند أهل اللغة - الذم والتوبيخ، فلو لم تكن

هذه الصيغة موضوعة للاستدعاء لما استحق ذلك.

الدليل الثالث: أنا نجد في العقل ضرورة أن من وجدت منه صيغة

" افعل " يسمى آمراً، أما إذا لم توجد منه هذه الصيغة، فإنه لا

يسمى آمراً، ولو كان الأمر أمراً لقيامه في النفس لسمي من لم يوجد

منه ذلك آمراً.

الدليل الرابع: أن أهل اللغة قد قسموا الكلام إلى أمر، ونهي،

وخبر، واستخبار، فعبروا عن الأمرب " افعل "، وعبروا عن

النهي بـ " لا تفعل "، وعبروا عن الخبر ب " زيد في الدار "،

وعبروا عن الاستخبار بقولهم: " هل جاء زيد؛ "، ولم يشترطوا

لذلك أية قرينة، فدل على أن " افعل " للأمر بمجردها بدون قرينة.

وهذا التقسيم قد اشتفاض بين أهل اللسان كاستفاضة سخاء حاتم،

وشجاعة عنترة.

الدليل الخامس: أنه يسبق إلى الفهم إذا أطلقت صيغة " افعل ":

أنها للأمر، ولا يسبق إلى الفهم إلا الحقيقة، أما غيره فلا يفهم إلا

بواسطة قرينة، فلو كانت صيغة " افعل " مشتركة بين الأمر وغيره:

لما سبق إلى فهمنا أن السيد إذا قال لعبده: " افعل " أن ذلك أمر،

فلما سبق ذلك إلى فهمنا دلَّ على أنه حقيقة في الأمر مجاز في غيره،

بخلاف الألفاظ المشتركة: فلو قال السيد لعبده: " اصبغ الثوب "،

أو قال: " ائت العين ": فلا يسبق إلى فهمنا لون دون لون،

ولا عين دون عين.