الأمر الثاني: على فرض أن المطالبة بالدليل دليل فإنا قد أقمنا أدلة
على أن هذه الصيغة للأمر، وذلك من إجماع عقلاء العرب وأهل
اللسان على ذم العبد إذا خالف هذه الصيغة، والذم على المخالفة
دليل على أنها تختص بالأمر، وأن أهل اللغة قد فرَّقوا بين الأمر
والنهي والخبر والاستخبار في أن كل واحد منها له صيغة تخصه،
وأن " افعل " للأمر - كما سبق - وغير ذلك من الأدلة، ولا يمكن
لكم أن تنكروا تلك الأدلة، ومن أنكرها فهو معاند.
الجواب الثاني: قولكم: " إن الظني لا يثبت القواعد الأصولية؛
لأنها قطعية " لا نسلمه، بل هذا فيه تفصيل:
فإن كانت القاعدة علمية، فلا تثبت بالظني.
وإن كانت القاعدة عملية أو وسيلة إلى العمل كهذه القاعدة، فإنها
تثبت بالظني؛ قياساً على الفروع.
الجواب الثالث: أنا نقلب هذا الدليل عليكم: فأنتم قلتم: إن
"افعل " مشتركة بين الأمر وغيره، فمن أين أثبتم ذلك: فإن قلتم:
ثبت ذلك عن طريق العقل فهذا باطل؛ لما سبق، وإن قلتم: ثبت
ذلك عن طريق النقل، فهذا باطل أيضاً؛ لما سبق، فأي جواب
لكم يكون هو جوابنا.
الدليل الثاني: أن هذه الصيغة - وهي: " افعل " - قد ترد
والمراد بها الأمر، وقد ترد والمراد بها الإباحة، وقد ترد والمراد بها
التعجيز، أو التهديد، وليس حملها على أحد هذه الوجوه بأوْلى
من حملها على الآخر، فوجب التوقف فيها حتى تأتي قرينة ترجح
أحد الوجوه؛ قياساً على " اللون ".
جوابه:
يجاب عنه بجوابين: