الواجب في ذم وعقاب تارك الفعل، فقد خالفه من وجه آخر،
وهو: أن ثبوته من طريق مقطوع به، فهذه المخالفة منعت من
المساواة في التسمية، قياساً على الندب والمباح، فإنهما تساويا في
سقوط الذم عن التارك لهما، واختلفا في التسمية، وذلك نظراً
لاختلافهما من وجه آخر، وهو: أن الندب يحمد فاعله ويثاب،
والمباح لا يحمد فاعله ولا يثاب.
فكذلك هنا، فإن الفرض والواجب وإن تساويا في الحد، فإنهما
اختلفا من وجه آخر، وهو طريق الثبوت، فالواجب ثبت عن
طريق مظنون، والفرض ثبت عن طريق مقطوع به، فلزم أن يختلفا
في التسمية.
بيان نوع الخلاف:
إن الخلاف في هذه المسألة قد اختلف العلماء فيه على قولين:
القول الأول: إن الخلاف معنوي له ثمرة، فقد رتب أصحاب
المذهب الأول - وعلى رأسهم الحنفية - على الحكم بفرضية الشيء:
كفر جاحده، وعدم إمكان جبره، أما الحكم بوجوب الشيء فلا
يكفر جاحده، ويمكن جبره، وكذلك قالوا: إن قراءة القرآن في
الصلاة فرض، لثبوته بدليل قطعي، وهو قوله تعالى: (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) ، أما قراءة الفاتحة في الصلاة فهي واجبة، لثبوت
ذلك بالدليل الظني، وهو خبر الواحد الذي رواه عبادة بن الصامت:
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ".
القول الثاني: إن الخلاف لفظي لا ثمرة له، لأنه لا نزاع بين
أصحاب المذهبين في انقسام ما أوجبه الشرع علينا وألزمنا إياه من
التكاليف إلى قطعي وظني، ولا نزاع بينهم - أيضا - على تسمية
الظني واجباً.