ذلك: أن لفظ " السارق " - مثلاً - قد وضع لجميع السارقين،
فلما جاء المخصص صرف دلالة لفظ " السارق " عن بعض
السارقين، وبين أن هذا البعض - كالمجنون والصبي - لا تقطع
أيديهما إذا سرقا، وإذا صرفت دلالته عن هذين الشخصين، فإن
دلالة اللفظ - وهو السارق - على الأفراد غير المخصوصين باقية لم
تتغير، ومستمرة على ما هي حقيقة.
فالمخصص لم يؤثر في الباقين، بل أثر في المخصص والمخرج،
فتبقى دلالة اللفظ العام المخصوص حقيقة فيما بقي.
يؤيد ذلك الاستثناء فإنه لو قال لعبده: " أكرم الرجال إلا زيداً "،
فإن الاستثناء خاص بزيد، والخطاب متعلق به، وقد أخرجه عن
الإكرام، فالاستثناء - هنا - قد صرف دلالة اللفظ عن زيد فقط،
ولم يتعرض للرجال الباقين لا من قريب ولا من بعيد، فيبقى
الخطاب موجه إليهم بالإكرام حقيقة، فتكون دلالته حقيقية عليهم.
ولا فرق بين القرينة المخصصة المتصلة والمنفصلة في ذلك، كما
لاحظت من المثالين؛ لأن الشارع لم يفرق بينهما.
المذهب الثاني: أن العام إذا دخله التخصيص، فإنه يصير مجازاً
فيما بقي بعد التخصيص مطلقاً، أي: سواء كان المخصص متصلاً أو
غيرمتصل.
وهو مذهب كثير من الحنفية، وكثير من الشافعية، وبعض الحنابلة
كأبي الخطاب، وابن تيمية، وبعض المالكية كالقرافي، وابن
الحاجب، وهو اختيار إمام الحرمين والغزالي.
دليل هذا المذهب:
أن حد المجاز هو: استعمال اللفظ في غير ما وضع له، ولفظ