قيل: " ما من عام إلا وقد خصص " إلا قوله تعالى:
(وهو بكل شيء عليم) ، كما سبق بيانه،
ولو لم يكن التخصيص جائزاً لما وقع في الكتاب والسُّنَّة.
الدليل الثاني: أنه لا معنى لتخصيص العموم سوى صرف اللفظ
عن جهة العموم الذي هو حقيقة فيه إلى جهة الخصوص بطريق
المجاز، والتجوز غير ممتنع لذاته، ولهذا لو قدرنا وقوعه لم يلزم
المحال عنه لذاته، ولا بالنظر إلى وضع اللغة، ولهذا يصح من
اللغوي أن يقول: " زارني كل أهل البلد "، وإن تخلف عنه
بعضهم.
المذهب الثاني: التفريق بين الخبر وبين غيره.
فيجوز تخصيص اللفظ العام إذا كان أمراً أو نهيا، أما إذا كان
خبراً فلا يجوز، وهو لبعض الطوائف.
دليل هذا المذهب:
أما جواز التخصيص إذا كان اللفظ العام أمراً أو نهيا: فدليله:
الوقوع كما سبق.
أما عدم جواز التخصيص إذا كان اللفظ العام خبراً، فدليله: أنه
لو جاز تخصيص الخبر للزم الكذب في الخبر، لما فيه من مخالفة
المخبر للخبر، وهو غير جائز كما في نسخ الخبر.
جوابه:
لا نسلم لزوم الكذب، ولا وهم الكذب بتقدير إرادة الخصوص
والمجاز، وقيام الدليل على ذلك، ولو لم يكن جائزاً للزم من ذلك
أن يكون قول القائل: " رأيت أسداً "، وهو يريد الرجل الشجاع