أشد إيذاء من مجرد التأفيف، ولولا هذه المعرفة لما لزم من تحريم
التأفيف تحريم الضرب والشتم والقتل وغيرها من أنواع الأذى؛ لأنه
قد يقول الملك للجلاد إذا أمره بقتل منازع له في الملك أو غير ذلك:
" لا تقل له أف ولكن اقتله "، لكون القتل أشد في دفع محذور
المنازعة من التأفيف.
الشرط الثاني: أن يكون المسكوت أوْلى بالحكم من المنطوق به،
أو مساوياً له، ومثال الأول: تحريم ضرب الوالدين أخذاً من النهي
عن التأفيف لهما، وقد سبق، ومثال الثاني: تحريم إحراق مال
اليتيم على أكله المنهي عنه بقوله تعالى: (إن الذين يأكلون أموال
اليتامى ظلماً) ، فإن إحراقه مساوي لأكله ولا فرق.
ولقد اختلف العلماء في هذا الشرط، أي: هل يشترط في
مفهوم الموافقة: أن يكون المسكوت عنه أوْلى بالحكم من المنطوق به
أو لا يشترط ذلك، وتكفي المساواة؛ على مذهبين:
المذهب الأول: أنه لا يشترط في مفهوم الموافقة كون المسكوت عنه
أَوْلى بالحكم من المنطوق، بل تكفي المساواة بينهما: بأن يكون وجود
مناط الحكم على قدر واحد من التوافر في المنطوق والمسكوت، فإن
كان المسكوت عنه أوْلى بالحكم من المنطوق به، فهذا من باب أوْلى.
لكن يشترط فيه: أن يكون المعنى في المسكوت عنه أقل مناسبة
للحكم عن المنطوق به.
وهذا مذهب الحنفية، وبعض الشافعية كالغزالي، والبيضاوي.
وهو الحق عندي؛ لأنا نعلم قطعا أنه ربما يفهم ثبوت الحكم في
المسكوت عنه من ثبوته للمنطوق به مع عدم أولويته بالحكم، وذلك
الفهم مناط الحكم لغة من غير حاجة إلى إعمال الذهن. في البحث