عن هذا المناط، كما في تحريم إحراق مال اليتيم، أو تبذيره، فإنا
قلنا ذلك أخذاً من تحريم أكله ظلماً، حيث قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) .
إذن: لا وجه لترك هذه الدلالة الدالة على ثبوت الحكم
للمسكوت كفهم ثبوته للمنطوق بمجرد فهم اللغة، بل لا بد من
إعمالها.
وكل ما في الأمر أن الاحتجاج بمفهوم الموافقة الأولوي أقوى من
الاحتجاج بالمفهوم المساوي، ويشتركان في أن كلًّا منهما يفهم من
معنى النص بمجرد فهم اللغة.
لذلك جعلنا تعريف مفهوم المرافقة شاملاً للأولوي والمساوي.
المذهب الثاني: أنه يشترط في مفهوم الموافقة: كون المسكوت عنه
أَوْلى بالحكم من المنطوق به، ولا يكتفي بمجرد التساوي في الحكم
بين المنطوق والمفهوم.
وهو مذهب جمهور العلماء.
دليل هذا المذهب:
أنه إذا كان المسكوت عنه أَوْلى بالحكم من المنطوق أمكن فهم
اتحادهما في الحكم جزما؛ لأنه يبعد أن يكون هناك احتمال للتعبد في
ثبوت الحكم للمنطوق، أما في حالة المساواة فإنه يرد احتمال التعبد
في ثبوت الحكم للمنطوق، وهذا الاحتمال يمنع من إلحاق المسكوت
بالمنطوق، فإن ألحق به مع قيام هذا الاحتمال: كان إلحاقاً بطريق
القياس، لا بطريق المفهوم.