الدليل الثاني: أن هذا الأسلوب من الدلالة معروف عند أهل
اللغة قبل ورود الشرع، بل هو أبلغ في الدلالة من التصريح؛ حيث
إفي العرب يرون ذلك ضربا من البلاغة، ونوعاً من التأكيد للحكم
في محل السكوت، وهم أهل اللسان، وأرباب البيان، وبلغتهم
نزل القرآن، فإن الشارع ينزل خطاباته على الأصول اللغوية
وأساليبها وعرفها في الفهم، وما هو حُجَّة لغة يجب اعتباره حُجَّة
شرعا ما لم يقم دليل على أن الشارع أراد معنى خاصا.
الدليل الثالث: تبادر فهم العقلاء، بيانه:
أن العقلاء إذا سمعوا هذا التعبير من الكلام كقول السيد لعبده:
"لا تعط زيداً درهماً، ولا تظلمه بذرة، ولا تعبس في وجهه، ولا
تقل له أف "، فإنه يتبادر إلى أذهانهم: امتناع إعطاء زيد ما فوق
الدرهم، وامتناع الظلم إلى ما فوق الذرة، وامتناع أذيته فيما فوق
التعبيس، وفوق التأفيف كالشتم والضرب،
قال ابن تيمية - رحمه اللَّه -:
" وجمهور العلماء يرون أن إنكار فهم تحريم الضرب من
تحريم التأفيف من نقص العقل، والفهم، وأنه من باب السفسطة في
جحد مراد المتكلم ".
وقال شمس الدين الذهبي: " ما فهم أحد قط من عربي ولا
نبطي ولا عاقل ولا واع: أن النهي عن قول: " أف " للوالدين إلا
وما فوقها أولى منها، وهل يفهم ذو حس سليم إلا هذا؛ وهل هذا
إلا من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، وبالأصغر على الأكبر ".
المذهب الثاني: أن مفهوم الموافقة ليس بحُجَّة.
وهو مذهب ابن حزم وأكثر الظاهرية.