الجواب الثاني: أنه يحتمل أنه ذكر الشرط يبين فيه: أن السبب في
نزول إباحة القصر كان الخوف، ثم عممت الإباحة كما في قوله
تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ) ،
فبين أن ذلك سبب الارتهان، لا أنه شرط في الارتهان.
الدليل الثاني: أن كتب النحو بأسرها ناطقة بأن كلمة " إنْ "
تسمى عند أهل اللغة بحرف الشرط، والشرط هو: ما ينتفي الحكم
عند انتفائه، فيقال: الطهارة شرط لصحة الصلاة، والحول شرط
وجوب الزكاة، والاستطاعة شرط وجوب الحج، والحياة شرط العلم
والقدرة؛ فيلزم من انتفاء الطهارة، وانتفاء الحول، وانتفاء
الاستطاعة، وانتفاء الحياة: انتفاء صحة الصلاة، ووجوب الزكاة،
ووجوب الحج، وانتفاء العلم والقدرة.
فيكون انتفاء الحكم عند انتفاء الشرط معنى عاما في جميع موارد
استعماله، فوجب جعله حقيقة فيه؛ دفعا للاشتراك، والتجوز.
المذهب الثاني: أن مفهوم الشرط ليس بحُجَّة.
أي: أن أداة الشرط لا تدل على انتفاء المشروط عند انتفاء شرطه،
وإنما انتفاء المشروط عنذ انتفاء الشرط يعلم من البراءة الأصلية.
وهو مذهب أكثر الحنفية، والإمام مالك، واختاره أبو بكر
الباقلاني، والغزالي، وأكثر المعتزلة منهم القاضي عبد الجبار، وأبو
عبد اللَّه البصري، وهو مذهب الآمدي.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: أن الرجل لو قال لزوجته: " إن دخلت الدار
فأنت طالق "، فإن هذا لا ينفي وقوع الطلاق بدون دخول الدار؛
حيث إنه لو نجز أو علق بشيءآخر فإنه يقع.