والأخبار والمحدثين والفقهاء، فإنه يقطع بصحة ذلك، قال المزني
صاحب الشافعي: " الفقهاء من عصر الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا استعملوا المقاييس في الفقه في جميع الأحكام في أمر دينهم،
وأجمعوا بأن نظير الحق حق، وأن نظير الباطل باطل، فلا يجوز
لأحد إنكار القياس؛ لأنه التشبيه بالأمور والتمثيل عليها.
أما الوجه الثاني - وهو: أنه لم يوجد من واحد من الصحابة
إنكار أصل القياس - فالدليل عليه: أن القياس أصل عظيم في
الشرع نفياً وإثباتا، فلو أنكر بعضهم القياس لكان ذلك الإنكار
منقولاً إلينا، وهو أوْلى بالنقل من مسألة " الحرام "، و " الجد
والإخوة "، ونحوهما، ولو نقل لاشتهر ولوصل إلينا، فلما لم
يصل إلينا: علمنا أنه لم يوجد إنكار أصل القياس.
اعتراض على هذا الوجه - وهو الوجه الثاني -:
لا نسلم ما قلتموه في هذا الوجه - وهو الوجه الثاني - بل ثبت
الإنكار ووصل إلينا، فإنه نقل عن الصحابة إنكار الرأي تارة،
وأخرى إنكار القياس، وثالثة ذم من أثبت الحكم غير مستند لكتاب
أو سُنة، من ذلك:
١ - أنه روي عن أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال: " أي
سماء تظلني، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب اللَّه برأي ".
٢ - ما روي عن عمر - رضي اللَّه عنه - أنه قال: " إياكم
وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السق، أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها
فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا ".
٣ - أنه روي عن عمر - أيضا - قال: " إياكم والمكايلة "،
قيل: ما المكايلة؛ قال: " المقايسة ".