ثالثاً: بيان أن كلام الراوي مثل كلام الشارع في ذلك:
قول الراوي: " سهى رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فسجد"،
وقوله: "رض يهودي رأس جارية فأمر به رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أن يرض رأسه بين حجرين "،
وقوله: " زنا ماعز فرجم "،
فإن هذا القول مثل كلام الشارع - السابق الذكر -.
أي: أن الراوي إذا ذكر وصفاً ثم ذكر بعده حكما مقروناً بالفاء،
فإنه يُفهم أن ذلك الوصف سبب وعِلَّة لذلك الحكم.
ففي الأمثلة السابقة: يكون السهو هو علَّة وسبب السجود،
ويكون رض اليهودي رأس الجارية هو سببَ وعلَّة رض رأسه بين
حجرين، ويكون الزنا هو سبب رجم ماعز، وهكذا في جميع
الأمثلة المماثلة لذلك، كما قلنا فيما صدر من الشارع من غير فرق،
إلا أن كلام الشارع - سواء كان من اللَّه أو من رسوله - أقوى في
الدلالة على العلية والسببية من كلام الراوي؛ لأن كلام الشارع لا
يتطرق إليه من الخلل والزلل والخطأ الذي يمكن أن يتطرق لكلام
الراوي.
أدلة ذلك:
لقد دلَّ على أن كلام الراوي مثل كلام الشارع في فهم السببية
والعلية أدلة من أهمها:
الدليل الأول: أن الراوي وهو الصحابي الذي شهد له اللَّه تعالى
ورسوله بالعدالة، وبذل النفس والنفيس لإعلاء كلمة اللَّه لا يمكن أن
يُعبر بلفظ يفهم السببية والعلية إلا إذا كان الأمر كذلك حقيقة، ذلك
لأنه يعلم - تمام العلم - أنه لو عبر بهذا اللفظ الذي يفهم السببية
وهو ليس كذلك، فإنه يكون ملبساً ومدلسا في دين اللَّه، ويعم