الوجه الثاني: أن الحكم مع عِلَّته أكثر فائدة مما إذا لم يكن
كذلك، ومما لا شك فيه أن حمل تصرفات الشارع على ما هو أكثر
فائدة أوْلى وأليق، لا سيما إذا علمنا أن الغالب في تصرفات الشارع
أن تكون على وفق تصرفات العقلاء والعرف.
أما الأمر الثاني - وهو: أن تكون له علَّة أخرى غير ذلك
الوصف فهو باطل - أيضا -؛ لأن ذلك الغيرَ معدوم، والأصل
بقاء ما كان على ما كان.
وعلى هذا: فإنه يتعين ذلك الوصف الخالي عن المناسبة علَّة
للحكم.
المذهب الثاني: أنه تشترط المناسبة للحكم.
أي: أن الوصف المذكور قبل الحكم المقرون بالفاء لا يدل على
العلية إلا إذا كان مناسبا لذلك الحكم، وهو لبعض العلماء.
دليل هذا المذهب:
أنه قد استقبح عرفا أن يقال: " أكرموا الجهال "، وهذا
الاستقباح إنما جاء من أن الجهل مانع من الإكرام، فالأمر بإكرام
الجاهل إثبات للحكم مع قيام المانع وهو: الجهل، إذن لا بد أن
يكون الوصف الدال على العلية مناسبا للحكم.
جوابه:
إن الجاهل قد يستحق الإكرام بسبب جهة أخرى غير جهله، كان
يكون ذلك لكرمه، أو لشجاعته، أو لنسبه، فيتضح أن الجهل لا
يكون مانعا من الإكرام.