ثانيا: هل تشترط المناسبة للوصف المومأ إليه؟
لقد اختلف العلماء في الحكم المترتب على الوصف هل يشترط
لإشعاره بكون الوصف عِلَّة: أن يكون الوصف مناسباً لذلك الحكم،
أو لا يشترط ذلك؛ على مذهبين:
المذهب الأول: أنه لا تشترط المناسبة للحكم.
أي: أن ذكر الوصف أولا، ثم ذكر الحكم بعده، وهو مقرون
بالفاء يدل على أن ذلك الوصف سبب وعلَّة لذلك الحكم مطلقا،
أي: سواء كان ذلك الوصف مناسباً للحكم، كقوله تعالى:
(وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا) ، وما ذكر معه من الأمثلة،
أو لم يكن مناسباً للحكم كقوله - صلى الله عليه وسلم -:
"من مس ذكره فليتوضأ "،
فإن عِلَّة وجوب الوضوء هي: مس الذكر، وإن لم نعلم مناسبة هذا
الوصف لذلك الحكم.
وهذا هو مذهب الغزالي، وفخر الدين الرازي، وابن الحاجب،
وصفي الدين الهندي، وهو الحق؛ لأنا لو قلنا: إن الوصف المومأ
إليه الخالي عن المناسبة لا يصلح أن يكون عِلَّة للحكم، فإنه يلزم
على هذا القول أحد أمرين هما:
الأمر الأول: إما أن لا يكون للحكم عِلَّة أصلاً.
الأمر الثاني: إما أن تكون له عِلَّة أخرى غير ذلك الوصف.
أط الأمر الأول - وهو: أن لا يكون للحكم عِلَّة أصلاً - فهو
باطل لوجهين:
الأول: أن الحكم بدون العِلَّة والحكمة عبث، والعبث محال على
الله سبحانه.