للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العدل والإنصاف والدقة التي ينبغي للقاضي أن يكون حكمه على

وفْقها، ولهذا تجدهم قد جعلوا الوصف - وهو الغضب - من أمثلة

الحالة الأولى.

وذكروا: أن الحديث وإن دلَّ بظاهره على أن مطلق الغضب علَّة

إلا أن جواز القضاء مع الغضب اليسير يدل على أن مطلق الغضَب

ليس بعلَّة، بل المقصود بالغضب المانع من القضاء إنما هو الغضب

الشديد الذي يشوش الفكر، ويمنع القاضي من استيفاء النظر والفكر.

جوابه:

أنا نمنع كون نفس الغضب هو العلَّة؛ لأن الحكم لما دار مع

تشويش الفكر وجوداً وعدماً، وانقطع عن الغضب وجوباً وعدما،

وليس بين التشويش والغضب ملازمة أصلاً؛ لأن تشويش الفكر قد

يوجد حيث لا غضب، والغضب يوجد حيث لا تشويش، فعلمنا

بذلك أنه ليس بينهما ملازمة، وحينئذٍ: نعلم أنه لا يمكن أن يكون

الغضب عِلَّة، بل العِلَّة إنما هو التشويش - فقط -.

بيان نوع الخلاف:

الخلاف معنوي؛ حيث إنه بناء على المذهب الأول يجوز قياس

كل ما يشوش الفكر على الغضب كالجوع، والعطش، وحصر

البول، والألم، ونحو ذلك؛ حيث إن العِلَّة متعدية.

أما بناء على المذهب الثاني - وهم القائلون: إن العِلَّة هي نفس

الغضب - فلا يجوز القياس على الغضب غيره - حيث إن العلَّة

عندهم قاصرة، فلا يجوز قياس الجوع والألم عليه.

تنبيه: لا مانع من أن يكون مثال واحد ينطبق على أكثر من نوع

من أنواع الإيماء إلى العِلَّة، وحيمئذ يكون الإيماء فيه من عدة جهات

بحسب جهة النظر فيه.