ونظراً لكون تلك الحكمة تختلف باختلاف الأفراد والأحوال،
وقد تكون خفية، فإن العلماء قد اختلفوا هل يجوز تعليل الحكم بها
أو لا يجوز؟ على مذاهب:
المذهب الأول: أنه لا يجوز التعليل بالحكمة.
وهو مذهب كثير من العلماء، وهو الحق؛ لما يلي من الأدلة:
الدليل الأول: أن حكمة الحكم الغالب فيها الخفاء، وعدم
الانضباط: فهي مختلفة باختلاف الأحوال، والأفراد، والأزمان،
فمثلاً: المشقة التي هي حكمة مشروعية قصر الصلاة في السفر،
وإباحة الإفطار في السفر تختلف باختلاف الأشخاص، فبعضهم
يشعر بالمشقة عند أدنى تعب، وبعضهم لا يشعر بشيء مهما صعب
السفر، وبعضهم قد توسط، كذلك المسافر في الشتاء قد لا يشعر
بالعطش، كمن سافر في الصيف، كذلك الراكب دابة أو سيارة،
أو طائرة يختلف عن غير الراكب، فلو قلنا: إن المشقة هي العلَّة في
الإفطار لترتب على ذلك: اختلاف الحكم باختلاف الأفراد وقوة
تحملهم وعدم ذلك، وترتب عليه أيضا اختلاف الحكم باختلاف
الأزمان، وترتب عليه - أيضاً - اختلاف الحكم باختلاف المركوب
ونحو ذلك، وهذا يجعل أحكام الشرع تختلف باختلاف الأفراد،
والأحوال، حتى أنك لتجد اثنين مسافرين: هذا يجوز له الإفطار،
وهذا لا يجوز؛ نظراً لاختلاف ظروفهما.
ويترتب عليه: لزوم البحث الشديد والنظر الدقيق لمعرفة مناط
الحكم لهذا الشخص أو ذاك، وهذا فيه من التكليف ما اللَّه به عليم،
والكلفة خلاف حكمة التخفيف الذي جاءت به الأحكام الشرعية،
وقد وجدنا الشارع رد الناس في مثل هذه الأمور - التي يختلف فيها
الناس - إلى مظانها الظاهرة الجلية؛ دفعا للتخبط في الأحكام،