أما من لم يقل بتخصيص العلَّة فإنهم يقولون: إن الطرد شرط في
صحة العِلَّة، ولذلك تفسد العلة بعدم الطرد، ولكن هذا لا يدل
على أن وجوده دليل على صحتها، فلا يلزم من كون عدم الشرط
يمنع الصحة: أن يكون وجوده موجباً لها، يؤيد ذلك أمران:
الأمر الأول: أن عدم الإحصان يمنع وجوب الرجم، ووجود
الإحصان لا يوجب الرجم، كذلك: عدم الطهارة يمنع صحة
الصلاة، ووجودها لا يوجب صحة الصلاة.
الأمر الثاني: أن الشيء يجوز أن يثبت بمعنى ولا يثبت ضده بعدم
ذلك المعنى: فالحكم ثبتت صحته بالإجماع، ولا يثبت فساده
بعدمه، فكذلك هنا: يجوز أن يثبت فساد العِلَّة لعدم الطرد، ولا
تثبت صحتها لوجوده.
الدليل الثاني: من الواقع؛ حيث إننا إذا رأينا مركوب القاضي
عند باب الأمير، فإنه يغلب على ظننا كون القاضي في دار الأمير،
وسبب ذلك: أن مقارنتهما في سائر الصور أفاد ظن مقارنتهما في
هذه الصورة المعينة.
جوابه:
أن هذا ليس من قبيل قياس الطرد، بل من قبيل العمل بقرائن
الأحوال، وترجيح احتمال على احتمال: فغلب على الظن وجود
القاضي في منزل الأمير عند النظر إليها واعتبارها.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف هنا لفظي؛ لأن أصحاب المذهبين اتفقوا على أنه لا يمكن
أن يُنكر الطرد إذا غلب على الظن، وأنه لا يمكن لأحد أن يتبع كل وصف
لا يغلب على الظن، وإن أحالوا أطراداً لا ينفك عن غلبة الظن.