الدليل الأول: أن أقل أحوال الدليل الشرعي: أن يوجب الظن،
لأن مناط الأعمال في الشريعة ينقسم إلى معلوم ومظنون، وما لا
يفيد العلم ولا الظن، فمعلق الحكم به متحكم - وهو الدعوى بلا
دليل -، والتحكم ممنوع شرعا، وقد رأينا الطرد في علل لا يغلب
على الظن تعلق الحكم بها واتباعه لها، فإذا ادعى الطارد الظن في
أحدها تبين خطأوه، لأن للظن في العرف أسبابا كما أن للعلوم
النظرية طرقا مفضية إليها، فمن ادعى أن وراء هذا الجدار شخصا من
غير أن يبني ظنه على سبب يقتضي ذلك: كان مخطئا، فكذلك
الحال في الوصف الطردي لا يصلح سببا لظن الأحكام.
الدليل الثاني: أن طرد العِلَّة لا يرجع في التحقيق إلا إلى تعليق
المعتل للحكم بها أينما وجدت، وذلك فعله وهو مخالف فيه، وإنما
يجب تعليق الحكم بها إذا ثبت كونها عِلَّة بالدليل، ومتى لم يثبت
ذلك لم يجب تعليق الحكم بها في أي موضع، وإذا ثبت ذلك
وجب تقدم العلم بكونها عِلَّة على طردها.
المذهب الثاني: أن الطرد يصلح دليلاً على صحة العِلَّة.
وهو مذهب فخر الدين الرازي، والبيضاوي، والصيرفي، وابن
القصار.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: أن عدم الطرد يدل على فساد العلَّة، وهو
النقض، فيجب أن يكون وجود الطرد يدل على صحتها.
جوابه:
إن القائلين بتخصيص العِلَّة يمنعون ذلك - كما سيأتي بيانه -.