وهناك رأي آخر في المسألة وهو: أن المعترض ينقطع إذا أقام
المستدل دليلاً على ثبوت الحكم في الأصل، ولا يجوز المعترض أن
يعترض على ذلك، وهذا الرأي ضعيف لما قلناه.
هذا الكلام عن الحالة الأولى - وهي: كون مذهب المعترض
معلوماً متحداً -.
أما الحالة الثانية - وهي: كون مذهب المعترض معلوماً وهو
مختلف - فإن المستدل يجيب عن منعه للحكم في الأصل بالطرق
الثلاث التي ذكرناها في الحالة الأولى، وهي: " تفسير حكم
الأصل بما يسلم به المعترض "، و " بيان محلاً من الحكم يسلم به
المعترض "، و " إقامة الدليل على حكم الأصل "، والأمثلة نفس
الأمثلة السابقة، لكن يراعى فيها أن الحكم مختلف فيه في المذهب.
وتزيد هذه الحالة طريق رابع وهو: أن يبين المستدل أن الصحيح
من مذهب المعترض هو التسليم بحكم الأصل.
مثاله: قول المستدل الشافعي: من أحرم بالحج نفلاً وعليه فرض،
فإن إحرامه ينعقد فرضا؛ لأنه إحرام بالحج ممن عليه فرضه،
فانصرف إحرامه إلى ما عليه من الفرض؛ قياسا على ما لو أحرم
إحراما مطلقا.
فيقول المعترض الحنفي: أنا أمنع الحكم في الأصل؛ حيث إن
الإحرام الذي أطلق فيه النية أنه يكون تطوعا، وهذا قد نقله الحسن
ابن زياد عن أبي حنيفة.
فيجيب المستدل بقوله: إن أبا الحسن الكرخي - وهو الذي ينقل
الرواية الصحيحة عن أبي حنيفة - قد نقل عن أبي حنيفة التسليم
بحكم الأصل، فإذا ثبت أنها الرواية الصحيحة، فإن المنع يبطل.