في الصلاة ثبت بقوله لمجفه: "صلوا كما رأيتموني أصلي "،
ولم ينقل عنه - صلى الله عليه وسلم -: أنه صلى إلا مرتبا،
فدل على وجوب الترتيب.
مثال آخر: قول المستدل: الخنزير حيوان نجس العين، فوجب
غسل الإناء من ولوغه سبعا؛ قياسا على الكلب.
فيقول المعترض: أنا أمنع الحكم في الأصل، فالكلب عندي لا
يغسل من ولوغه سبعاً.
فيجيب المستدل بقوله: لقد ثبت الحكم في الأصل بقوله - صلى الله عليه وسلم -:
"إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسنله سبع مرات ".
وهذا على رأي جمهور العلماء، أي: أن المعترض إذا منع الحكم
في الأصل، فإن المستدل يثبت حكم الأصل بأي نوع من أنواع
الأدلة، فإذا أثبت ذلك فإن قياسه صحيح.
لكن هل ينقطع المعترض إذا أقام المستدل دليلاً على حكم الأصل
- كما سبق -؟
أقول - في الجواب عن ذلك -: إن المعترض لا ينقطع إذا أثبت
المستدل الحكم في الأصل؛ بل للمعترض أن يسعى إلى إبطال دليل
المستدل؛ لأن المستدل إذا علم أن المعترض لن يعترض عليه إذا أورد
الدليل لإثبات الحكم في الأصل، فإنه يحتمل أن يورد المستدل دليلاً
لا يصلح أن يكون مثبتا للحكم، وهذا يجعل المعترض لا يورد
الاعتراض ابتداء؛ لأنه يعلم أنه سيقبل من المستدل أيمما دليل يثبت به
الحكم في الأصل، وعلى هذا: لا يكون لمنع الحكم ابتداء معنى،
ومنعا لهذا الاحتمال، فللمعترض أن يسعى إلى إبطال دليل المستدل
الذي أورده لإثبات الحكم في الأصل حتى يعجز، وهو رأي
الآمدي، وابن الحاجب، وابن الهمام، وغيرهم.