فهنا جعل النقص بالجفاف عِلَّة لمنع البيع، وعدم جوازه، وما
جعله الشارع عِلَّة للمنع لا يجوز أن يجعل عِلَّة للجواز.
ومثال الثاني - وهو: ما كان المعنى الجامع قد ثبت اعتباره
بإجماع في نقيض الحكم - قول المستدل: مسح الرأس مسح،
فاستحب تكراره؛ قياسا على الاستجمار بالحجر.
فيقول المعترض: قياسك هذا فاسد الوضع؛ لأن الإجماع قد
رتب على هذه العِلَّة التي ذكرتها حكما هو نقيض ما رتبته عليها من
حكم، وذلك في مسح الخف، حيث لا يستحب فيه التكرار
إجماعا مع أنه مسح.
القسم الثاني: أن يرتب المستدل على المعنى الجامع حكما هو ضد
لما يقتضيه ذلك المعنى، وهذا يفهم من مقتضى أصول الشريعة،
ومعرفة مقاصدها كأن يرتب المستدل على المعنى الجامع حكما خفيفا
مع أن هذا المعنى يقتضي التثقيل والتغليظ، أو يرتب عليه حكما
واسعاً وهو يقتضي التضيق.
فمثال الأول - وهو: أن يرتب المستدل على المعنى الجامع حكما
خفيفا مع أنه يقتضي التغليظ - قول المستدل: من أفطر في نهار
رمضان عامداً، فلا كفارة عليه؛ لأنه أفطر بما يصح وقوعه من
الواحد، فلا تجب عليه الكفارة، قياسا على ما لو أفطر في السفر.
فيقول المعترض: قياسك هذا فاسد الوضع؛ لأنك علَّقت على
المعنى الجامع الذي يقتضي التشديد والتغليظ حكما خفيفا؛ وذلك
لأن الإفطار في نهار رمضان عمداً إثمه عظيم وشديد، فيناسب أن
توجب عليه الكفارة تشديداً وتغليظا حتى لا يعود لمثلها، ولا يكون
مقتضياً للتخفيف بسقوط الكفارة.