للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أنه لما اعتدت غنم قوم على زرع آخرين، ذهب صاحب الزرع

وصاحب الغنم يتخاصمان إلى داود - عليه السلام - ليحكم بينهما،

فحكم بينهما بحكم، وخالفه فيه سليمان - عليه السلام - وحكم

- أي: سليمان - بحكم آخر، فكان حكمهما بالاجتهاد، بدليل:

أن سليمان لو لم يحكم بالاجتهاد لما قال تعالى: (ففهمناهما سليمان) ،

وما يذكر بالتفهيم إنما يكون بالاجتهاد، لا بطريق الوحي.

وإذا جاز لداود وسليمان - عليهما السلام - الاجتهاد، فإنه يجوز

الاجتهاد لنبينا محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا فرق،

والجامع: النبوة في كل.

الدليل الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يشارك أُمَّته

فيما لم يرد فيه تخصيص له، أو تخصيص لهم - كما سبق بيانه -،

والاجتهاد قد أمرت أُمَّته به لإيجاد أحكام شرعية للحوادث المتجددة،

لكي تكون الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، فهو يشارك أُمَّته في الاجتهاد، فيجوز له - صلى الله عليه وسلم - الاجتهاد مثل غيره، وليس في العقل ما يحيله في حقه ويصححه في حقنا، ولهذا أوجب عليه وعلينا العمل باجتهادنا في مضار الدنيا ومنافعها.

الدليل الرابع: أنه لا يلزم من فرض تعبده - صلى الله عليه وسلم - بالاجتهاد محال عقلاً، ولا يؤدي إلى مفسدة، وكل ما كان كذلك كان جائزأ عقلاً، فتعبده بالاجتهاد جائز عقلاً.

الدليل الخامس: وقوع الاجتهاد منه - صلى الله عليه وسلم -، ولو لم يكن متعبدا بالاجتهاد لما وقع منه، فقد اجتهد في حوادث شتى، منها: اجتهاده

في أسرى بدر، حيث أخذ الفداء مقابل إطلاق الأسرى، وهذا

بالاجتهاد، وستأتي أمثلة على ذلك في المسألة التالية.