من ظاهر هاتين العبارتين أنه - صلى الله عليه وسلم - يمكن منه الخطأ، فيعطي حق هذا لذاك، ولكنه لا يأثم في هذا الخطأ.
الوجه الثالث: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بيَّن أنه يقضي للإنسان بحق أخيه عن طريق الخطأ؛ لأنه يقضي بالظاهر، وقد يكون الظاهر خلاف
الواقع، ولو كان المخطى في الاجتهاد يأثم لما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الدليل الخامس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا بعث جيشا أوصاهم بقوله:
" إذا حاصرتم حصنا، أو مدينة، فطلبوا منكم أن تنزلوهم على
حكم اللَّه فلا تنزلوهم على حكم اللَّه، فإنكم لا تدرون ما يحكم
الله فيهم.. ".
وجه الدلالة: أن هذا يدل على أن لله تعالى حكما في الحادثة،
وأن هذا الحكم ليس هو ما يؤدي إليه الاجتهاد قطعا ويقينا.
اعتراض على ذلك:
قال قائل - معترضا -: إنه نهى عن ذلك؛ مخافة أن يحكموا
فينزل اللَّه - تعالى - حكما غير ذلك الذي حكموا به.
جوابه:
أن هذا الكلام من المعترض يدل على أن لله حكما قد يدركه
المجتهد، وقد يخطئه.
الدليل السادس: أنه لو صح تصويب كل واحد من المجتهدين:
لجاز لكل واحد من المجتهدين في القِبْلة أن يقتدي كل واحد منهما
بصاحبه؛ لأن صلاة كل واحد صحيحة، فما المانع من الاقتداء بمن
صلاته صحيحة؛ وكذلك لو اختلف مجتهدان في الماء الذي في هذا الإناء: