فقال أحدهما: إنه طاهر، وقال الآخر: إنه نجس، فإنه يجوز على
مذهب المصوبة اقتداء كل واحد منهما بالآخر، ولكن هذا لا يجوز؛
لاتفاق الأُمَّة على فساد هذا الاقتداء، فدل على أن الحق واحد.
الدليل السابع: أن الأُمَّة مجمعة على جواز المناظرة بين المجتهدين؛
لما في ذلك من الفوائد الكثيرة، ولو كان كل واحد من المتناظرين
مصيبا فيما ذهب إليه لم يكن للمناظرة معنى ولا فائدة، وذلك لأن
كل واحد يعتقد أن ما صار إليه خصمه حق، وأنه مصيب فيه.
ووجدت المناظرة إما لأجل معرفة أن ما صار إليه خصمه صواب،
أو لرده عنه.
فإن كان الأول ففيه تحصيل الحاصل، وإن كان الثاني فقصد كل
واحد لرد صاحبه عما هو عليه مع اعتقاده أنه صواب يكون حراما.
المذهب الثاني: أن كل مجتهد في الفروع مصيب، وأن حكم الله
- تعالى - لا يكون واحداً معيتا، بل هو تابع لظن المجتهد،
فحكم اللَّه - تعالى - في حق كل مجتهد ما أدى إليه اجتهاده،
وغلب على ظنه، وسمي أصحاب هذا المذهب بالمصوبة.
وهو مذهب أبي بكر الباقلاني، والغزالي، وبعض المتكلمين،
وأكثر المعتزلة، ومنهم أبو الهذيل، وأبو علي، وابنه.
دليل هذا المذهب:
الدليل الأول: قوله تعالى: (مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ) .
وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أخبر أن القطع والترك بأمر اللَّه تعالى
فهما صوابان مع كونهما ضدين.