أن العامي يشارك العلماء في معرفة اللَّه تعالى، وطرق التوحيد
والنبوات، فيعلم مما يدركه من صنائع اللَّه تعالى من السموات،
والأرضين، والشمس، والقمر، والنجوم، وسيرها، وثبوت
الأرض على الماء مع أن البناء لا يثبت على الماء، وتنقل الإنسان في
خلقه من النطفة إلى مراحل أخرى حتى وصل إلى إنسان سوي
يصرف الأمور، وأن الشمس تطلع في موعدها، وتغرب في
موعدها، وكذلك القمر، والنجوم دون تأخير أو تقديم، وأنه لو
اجتمع الإنس والجن على أن ينفعوا إنسانا بشيء لم يكتبه اللَّه له فلن
يستطيعوا ذلك، وأنه لو اجتمعوا على أن يضروه بشيء لم يكتبه الله
عليه، فلن يستطيعوا ذلك، وأن هذا قائم مستمر لا فرق بين إنسان
وآخر، أو زمان وآخر، ويعلم أن كل ذلك قد جرى بانتظام،
واتساق أحوال، ولو كان لله تعالى شريك في ملكه، أو معه مدبر
لفسد هذا النظام، ووقع الاختلاف، كما يشاهد في كل شريكين،
كل ذلك يعلمه العامي بحسه، ويدركه بمجرد اختلاطه بالآخرين،
بل لا أبالغ إذا قلت: إن من العوام من يدرك ذلك ويؤمن به إيمان@
قويا أكثر من بعض من يسمى نفسه أنه متعلم.
أما قياسكم أصول الدين على فروعه في ذلك فهو قياس مع
الفارق؛ لأن أدلة الفروع كثيرة ومتنوعة، وتحتاج إلى دقة في النظر،
بخلاف أدلة أصول الدين فهي قليلة، وواضحة وأكثرها يؤخذ من
الواقع لذلك لا ينقطع عمر الإنسان ومعاشه فيها.
وأيضا لا خطر ولا محذور في تقليد العامي للمجتهد في الفروع؛
حيث إن الإثم محطوط عن المجتهد إذا أخطا، وهذا بخلاف أصول
الدين.