الدليل الثاني: قوله تعالى: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي
الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) .
وجه الدلالة: أن هذا دلَّ على أنه يرد الحكم إلى أهل الاستنباط
وهم المجتهدون.
الدليل الثالث: أنه لا خطر ولا محذور في تقليد العامي
للمجتهد في الفروع؛ لأن المجتهد لو أخطأ فلا إثم عليه، بل له
أجر، إذن لا خطر على المقلد في هذا.
أما في أمور العقائد، فإن المجتهد إذا أخطأ فعليه إثم، كما بيَّنا
هناك، لذلك جوزنا التقليد في الفروع، دون الأصول.
الدليل الرابع: أن الإجماع قد انعقد أن العامي إذا نزلت به حادثة
فإنه يلزمه فيها حكم شرعي، وهو بين أمرين لا ثالث لهما:
الأمر الأول: إما أن يعرف حكم حادثته بنفسه بواسطة الاستدلال.
الأمر الثاني: أو يعرف حكمها عن طريق التقليد.
أما الأمر الأول فلا يمكن؛ لأنه إذا أراد معرفة حكم حادثته بنفسه
فإنه لا بد أن يبدأ بتعلم العلم، فيعرف الأدلة، وكيفية ترتيبها،
والناسخ منها والمنسوخ، وأقوال العلماء في كل دليل، ومعرفة ما
يعارض ذلك الدليل، وكيفية فك ذلك التعارض، وهذا كله إذا كان
قابلاً للتعلم، وكذلك تعلم القياس وشروط كل ركن من أركانه،
وهذه المعرفة لا يمكنه تحصيلها إلا في زمان طويل، قد يذهب عمره
وهو لم يصل إلى حكم شرعي لحادثته، وكثير من أهل الحديث
يعرفون صحيح الأحاديث وسقيمها، ثم لا يمكنهم الاجتهاد.
إذن لا يمكن للعامي أن يعرف حكم حادثته بنفسه بواسطة الاستدلال.