الله تعالى لعبده في الفعل وبين أن يأمره به ويقتضيه منه، وأنه إن أذن
له فليس بمقتض له.
وبهذا تبين لك الفرق بين معمى " الأمر "، ومعنى " الإباحة ".
فمعنى الأمر: اقتضاء الفعل من المأمور به، والمطالبة به، والنهي
عن تركه، ومعمى الإباحة: الإذن في الفعل والترك، أي: تعليق
الفعل المباح بمشيئة المأذون له في الفعل، وإطلاق ذلك له.
وإذا ثبت الفرق بين ما يقتضيه الأمر، وما تقتضيه الإباحة: لزم
من ذلك أن المباح غير مأمور به.
تنبيه: إن ورد واستعمل وأطلق لفظ الأمر على المباح فإن هذا
الاستعمال والإطلاق ليس على الحقيقة، وذلك لأن الاسم الحقيقي
للمباح هو: المأذون فيه، ويجوز إطلاق عليه اسم الأمر مجازاً من
إطلاق اللازم على الملزوم، لأنه يلزم من خطاب اللَّه - تعالى -
بالتخيير فيه كونه مأموراً باعتبار أصل الخطاب، كما أن الرجل
الشجاع يطلق عليه اسم " أسد " مجازاً لقرينة، مع أنه اسم حقيقي
لذلك الحيوان المفترس، كذلك هنا.
المذهب الثاني: أن المباح مأمور به.
وينسب إلى الكعبي، وأبي الفرج المالكي، وأبي بكر الدقاق.
دليل هذا المذهب:
استدل أصحاب هذا المذهب بقولهم: إن فعل المباح لا يتحقق إلا
بترك حرام، وترك الحرام مأمور به، وعلى هذا: يكون المباح مأمور
به، بيان ذلك:
أنه لا يمكن التلبس بفعل مباح إلا ويستلزم ذلك ترك محرم، بل
قد يستلزم ترك محرمات.