للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهي باطلة - كلها -؛ لأمرين:

أولهما: أنه نتج - كما سبق - من تلك الإلزامات: أن يكون

المباح واجبا، والحرام واجبا، والمندوب واجبا، ونحو ذلك، وهذا

تناقض ظاهر في الشريعة، وهو لا يجوز عقلاً فضلاً على أنه لا

يجوز شرعا.

ثانيهما: أن كون المباح واجبا يقتضي كون أفعال المكلفين التي

تتعلق بها الأحكام أربعة؛ ضرورة كون المباح واجبا - حينئذٍ - وهو

خلاف الإجماع.

بيان نوع الخلاف:

الخلاف بين أصحاب المذهب الأول - وهم الجمهور القائلون: إن

المباح غير مأمور به، وبين أصحاب المذهب الثاني - وهم الكعبي

وأتباعه القائلون: إن المباح مأمور به، هو خلاف لفظي؛ لاتفاق

أصحاب المذهبين في المعنى؛ حيث إننا لو تدبرنا ودققنا فيما استدل

به الكعبي وأتباعه، لوجدنا أن ظاهر كلام الكعبي يدل دلالة واضحة

على أن المباح غير مأمور به من جهة ذاته، فلم يخالف غيره من

الجمهور في ذلك، ويدل على أن المباح مأمور به من حيث ما عرض

له من تحقق ترك الحرام وغيره، ولا يخالفه الجمهور في ذلك؟

حيث إن صيرورة المباح مأمور به لعارض مما اتفق عليه.

والخلاصة: أن الكعبي لا ينكر المباح، ولا يقول: إن المباح

مأمور به من حيث ذاته، وهو: المخير بين فعله وتركه، وإنما

يقول - كما نقله عنه كثير من الأصوليين -: إن المباح مأمور به من

حيث ما لزم عليه من ترك للحرام؛ لأن ترك الحرام واجب، وما لا

يتم الواجب إلا به فهو واجب، وإذا لم يتم ترك الحرام إلا بفعل