أما الحرام المخيَّر وهو الذي لم يتعين المنهي عنه بشيء واحد، بل
تعلق النهي بأشياء متعدِّدة ومحصورة، فهل يجوز ذلك؟
أي: هل يجوز أن يحرم واحداً لا بعينه؟
اختلف العلماء في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أنه يجوز أن يُحرم واحداً لا بعينه.
ذهب إلى ذلك الآمدي، وابن الحاجب، وأكثر الفقهاء.
وهو الحق عندي؛ لدليلين:
الدليل الأول: أنه لا يمتنع عقلاً أن يقول الشارع: " لا تكلم زيداً
أو. عمرأ، وقد حرمت عليك كلام أحدهما لا بعينه، ولست أحرم
عليك كلام الجميع، ولا واحداً بعينه "، فهذا كلام معقول، ولا
يلزم من تصوره محال.
الدليل الثاني: الوقوع الشرعي، ومنه: تحركيم إحدى الأختين لا
بعينها، وكذلك لو أسلم وتحته أكثر من أربع نساء، فإنه ممنوع مما
زاد عن الأربع من غير تعيين.
المذهب الثاني: أنه لا يجوز تحريم واحد لا بعينه.
ذهب إلى ذلك أكثر المعتزلة، وبعض العلماء.
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: أن النهي عن الشيء قبيح، فإذا نهي عن أحدهما
لا بعينه ثبت القبح لكل منهما، فيمتنعان جميعاً.
جوابه:
يجاب عن ذلك: بأن قولكم هذا مبني على قاعدة " التحسين
والتقبيح العقليين "، ونحن لا نوافقكم عليها جملة وتفصيلاً.