وأفردناه عن شرط العقل، لاختلاف حكم الصبي عن المجنون
وغيره، وذلك لأن اشتراط البلوغ أخرج الصبي، واشتراط العقل
أخرج المجنون.
وفرقنا بين اشتراط العقل واشتراط الفهم، مع أن بعض العلماء لم
يُفرِّقوا بينهما؛ لأنا أردنا بالعاقل ما يخالف المجنون، وأردنا بالفاهم
ما يخالف النائم والغافل والساهي.
الحاصل: أنه يشترط في الشخص المراد تكليفه: أن يكون قدى
وصل إلى الحدِّ الذي نعرف بواسطته خروجه عن مرحلة الصبا، وأن
يتوفر فيه العقل الذي يميز به بين الحق والباطل، والطيب والخبيث،
وأن يتوفر فيه الفهم الذي يستطيع به أن يدرك المراد والمطلوب من ذلك
الخطاب الموجه إليه، ويفهم كيفية امتثاله، ويفهم المقصود من
التكليف حتى تصح النية، حيث لا عمل إلا بنية.
***
المسألة الثانية: تكليف الجن:
الجني البالغ، العاقل، الذي يفهم الخطاب هل هو مكلَّف أو لا؟
أقول: إن الجن مكلَّفون بفروع الشريعة كأصولها، لما يلي من
الأدلة:
الأول: قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) .
الثاني: قوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا) .
الثالث: قوله تعالى: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ) .
الرابع: الإجماع، حيث أجمع العلماء على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل