المذهب الأول: أن الصبي غير المميز غير مكلَّف.
ذهب إلى ذلك جمهور العلماء، وهو الحق عندي الذي لا يجوز
غيره؛ وذلك لأن الذي لا يفهم الخطاب الوارد من الشارع لا يتصور
منه قصد مقتضاه، والصبي غير المميز لا يفهم شيئاً من الخطابات،
فلذلك سقطت عنه المطالبة بمقتضى ذلك الخطاب، بيان ذلك:
أن المقصود والغرض من تكليف الشارع لعباده بالتكاليف الشرعية
هو: أن يمتثلوا بفعل المأمور به وترك المنهي عنه؛ لتحقيق امتحان الله
للمكلَّف، ولا يصح ذلك الامتثال وتلك الطاعة إلا بوجود النية
والقصد، ولا تصح النية إلا بوجود شرطها وهو: أن يعلم المكلَّف
بالفعل المكلَّف به، وكيفية امتثاله، والمقصود منه، وأن يعلم من هو
المكلِّف - بكسر اللام - وغرضه من هذا التكليف وما يتعلق بذلك
من رغبة ورهبة، ووعد ووعيد، وهذه الأمور لا يمكن أن يدرك
حقائقها الصبي غير المميز، فلذلك رفع التكليف عنه.
فعدم معرفته لتلك الأمور وعدم فهمه للخطابات قد منع من
تكليفه، فلا يمكن تكليفه مع قيام المانع، وهذا ينزل منزلة تكليف
المقعد بالقيام وذلك مستحيل.
المذهب الثاني: أن الصبي غير المميز مكلَّف.
ذهب إلى ذلك بعض الناس كما نقل ذلك أبو البركات ابن تيمية
في " المسودة ".
أدلة هذا المذهب:
الدليل الأول: أن الصبي قد وجه إليه الخطاب بدفع الزكاة من
ماله إذا بلغ النصاب وحال عليه الحول، ودفع أروش الجنايات،