وتطلق السُّنَّة عند أهل الكلام على ما يقابل البدعة يقال: " فلان
من أهل السُّنَّة " إذا كان عمله على وفق ما كان عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه، ويقال: " فلان على بدعة "
إذا عمل على خلاف ذلك.
وتطلق السُّنَّة على ما عمل عليه الصحابة - رضي اللَّه عنهم -
سواء وجد ذلك في الكتاب، أو السُّنَّة، أو كان اجتهاداً منهم بدليل
قوله - صلى الله عليه وسلم -:
"عليكم بسنتي وسُنَّة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ".
ومنه قول علي - رضي اللَّه عنه -: " جلد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وجلد أبو بكر أربعين، وجلد عمر ثمانين وكل سنة ".
***
المسألة الرابعة: بيان السبب في الاختلاف في تعريف السُّنَّة:
إن سبب هذا الاختلاف فيما تطلق عليه السُّنَّة يرجع إلى الغرض
الذي يعتني به كل فريق.
فغرض الأصوليين هو: إثبات وبيان أدلة الأحكام إجمالاً،
فنظروا إلى السُّنَّة من هذا المنطلق، فاعتنوا بالأقوال، والأفعال،
والتقريرات التي تكون أدلة إجمالية للأحكام الفقهية.
وغرض المحدثين هو: نقل كل ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، سواء كان مما يخص الأحكام أو لا، وبيان أنه - صلى الله عليه وسلم - هو الهادي والأسوة للأُمَّة؛ لذلك تجدهم نقلوا كل ما يتصل به - صلى الله عليه وسلم - من سيرة، وخلق، وأخبار، وأقوال، وأفعال، ونحو ذلك.
وغرض الفقهاء هو: إثبات أدلة الأحكام تفصيلاً، لذلك تجدهم
اهتموا بدلالة أقواله وأفعاله، وتقريراته على الأحكام الجزئية الخاصة
بالمكلَّف من ندب، ووجوب، وتحريم، وإباحة، ونحو ذلك.