المسألة الأولى: هل المتواتر يفيد العلم؟
لقد اختلف في ذلك على مذهبين:
المذهب الأول: أن الخبر المتواتر يفيد العلم اليقيني بالمخبر عنه.
ذهب إلى ذلك العلماء المعتد بأقوالهم.
وهذا هو الحق؛ لأن الواقع يشهد لذلك؛ حيث إنه حصل لنا
العلم اليقيني بما أخبرنا عنه عن طريق متواتر، فقد حصل لنا العلم
بوجود بعض البلدان البعيدة كالصين، والهند، ونحوهما، وكذلك
حصل لنا العلم بالأنبياء السابقين، والعلماء، والسلاطين، والوقائع
والغزوات، ونحو ذلك، وسبب حصول العلم بذلك هو أننا أخبرنا
عن ذلك بأخبار متواترة؛ حيث إننا لم نشاهد ذلك.
أي: إنا وجدنا أنفسنا عالمة بذلك كله كما نجدها عالمة بما نشاهده
وما نحس به، ومن أنكر ذلك فقد أنكر ما قطع به، فيكون معانداً
ومكابراً، والمعاند والمكابر لا يعتد بقوله.
فثبت أن المتواتر يفيد العلم، وإذا كان كذلك فيجب تصديق خبر
المتواتر بدون قرائن.
وهذا كله يفارق خبر الآحاد، فإنه لا يعلم صدقه إلا بقرائن،
كما سيأتي.
المذهب الثاني: أن المتواتر لا يفيد العلم، بل يفيد الظن.
ذهب إلى ذلك السُّمَنية - بضم السين مع تشديدها وفتح الميم -
نسبة إلى بلد في الهند اسمه " سومانا "، وكانوا من عبدة صنم
اسمه " سومانات "، وذهب إلى ذلك - أيضاً - البراهمة - وهم
من منكري الرسالة.