للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التواتر، وإذا لم يحصل لنا العلم بى خبر المخبرين: علمنا أن الخبر لم

يبلغ حدَّ التواتر.

ذهب إلى ذلك جمهور العلماء.

وهو الحق عندي؛ لأنه لا يمكن معرفة العدد بالتحديد الذي

حصل علمنا عنده بوجود بلد لم نشاهده، أو بوجود الأنبياء، أو

الأئمة الأربعة، فلا سبيل واضح جلي نسلكه ونعرف به العدد

- بالتحديد - فهذا عسير جداً؛ وإنما السبيل إلى معرفة كون هذا الخبر

متواتراً هو حصول العلم بالخبر، فالعلم يتزايد تزايداً خفي التدريج

فهو يشبه تزايد عقل الصبي، فإذا لا نعرف متى بدأ الصبي يعقل

ويميز بين الخير والشر؛ لذلك لا يكلف الصبي العاقل حتى يبلغ،

ويشبه أيضاً تزايد ضوء الصبح إلى أن ينتهي إلى حد الكمال.

فكذلك الخبر، فإن الأول يحرك. الخبر، والثاني يؤكده، والثالث

كذلك، وهكذا، فإنه لا زال يتزايد تأكيد الخبر حتى يصبح التصديق

به ضروريا لا يمكن الشك فيه، ولكن لا يمكننا أن نعرف بالتحديد

العدد الذي لما بلغه المخبرون أصبح الخبر متواتراً.

والسبب في ذلك هو: قصور القوة البشرية عن إدراك ذلك، فلا

يمكن لأي عاقل - مهما كان - أن يدرك متى بالتحديد حصل العلم

بخبر مخبرين كثيرين عن شيء معين، بل يحصل لنا العلم بخبر

المتواتر، وإن كنا لا نقف على أول عدد أفاده، كما نعلم حصول

الشبع عن طريق الأكل وإن كنا لا نقف على آخر لقمة تسببت في

هذا الشبع، وكما نعلم حصول الري عن طريق شرب الماء، وإن

كنا لا نقف على آخر جرعة تسببت في هذا الري، وهكذا.

المذهب الثاني: أنه يشترط في التواتر عدد محصور ومعروف.