سادسا: إذا فعل فعلاً لا يوصف بما سبق فما حكم التأسي به؟
إذا فعل - صلى الله عليه وسلم - فعلاً، وثبت أنه على وجه القربة، ولم يكن بيانا بالمجمل أو غيره، ولا قام الدليل على أنه من خواصه، وعلمنا
صفته من الوجوب أو الندب، أو الإباحة، وذلك بنصه - صلى الله عليه وسلم -، أو بغير ذلك من الأدلة، فهل نحن متعبدون بهذا الفعل والتأسي به في فعله، سواء كان واجبا، أو مندوبا، أو مباحاً؟
اختلف في ذلك على مذاهب؛ ومن أهمها مذهبان:
المذهب الأول: أنا متعبدون بالتأسي به.
ذهب إلى ذلك جمهور العلماء، وهو الحق؛ لما يلي من الأدلة:
الدليل الأول: إجماع الصحابة - رضوان اللَّه عليهم - فقد كانوا
مجمعين على الرجوع إلى أفعاله - صلى الله عليه وسلم - والتأسي بذلك - وهو أن يفعلوا مثل ما فعل - كرِجوعهم إلى تزويجه ليمونة وهو حرام،
وفي تقبيله للحجر الأسود، وجواز تقبيله وهو صائم، ونحو ذلك.
الدليل الثاني: قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) .
وجه الدلالة: أنه جعل التأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - من لوازم رجاء اللَّه تعالى واليوم الآخر، ويلزم من عدم التأسي: عدم الملزوم، وهو:
الرجاء لله واليوم الآخر، وذلك كفر كما هو واضح.
الدليل الثالث: قوله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي) .
وجه الدلالة: أنه جعل المتابعة له لازمة من محبة اللَّه الواجبة،
فلو لم تكن المتابعة لازمة: للزم من عدمها عدم المحبة، وذلك حرام.