ثانيهما: لو سلمنا أنها واجبة عليه فلا يلزم أنها واجبة علينا؛
لعدم الدليل على دخولنا فيه.
المذهب الثالث: التوقف في ذلك حتى يقوم دليل يطلب منا الفعل
على الوجه المطلوب.
وهو مذهب ابن فورك، وصحَّحه كثير من العلماء.
دليل هذا المذهب:
أنه لما كان هذا الفعل يحتمل أن يكون للندب، ويحتمل أن يكون
للوجوب، ويحتمل الإباحة، ويحتمل أن يكون من خصائصه: كان
التوقف متعيناً؛ لأن كل واحد منها ليس أَوْلى من الآخر.
جوابه:
يجاب عنه: بأن الاحتمال الأول وهو كونه للندب هو الراجح؛
لأن الدليل قد قواه وهو: أن فعله أرجح من تركه كما قلنا فيما
سبق، أما الاحتمالات الثلاثة الأخرى فهي احتمالات بعيدة؛ لعدم
وجود أدلة عليها، فيعمل على ما ترجح بالدليل.
رابعاً: أفعاله التي فعلها لبيان مجمل، أو لتقييد مطلق:
فإن هذا حكمه حكم المبين: فإن كان المبين واجباً فهو واجب،
وإن كان المبيَّن مندوباً: فهو مندوب، وإنما كان كذلك؛ لأن البيان
لا يتعدى رتبة المبين، ومتى تعداه لا يكون بياناً له، ولأن البيان ما
انطبق على المبين كالتفسير ينطبق على المفسر.
خامساً: الفعل الخاص به - صلى الله عليه وسلم -:
كالزواج بأكثر من أربع، وجواز زواجه بدون مهر، ونحو ذلك،
فهذا خاص به، لا يفعله غيره، ولا يجوز أن نتأسى به في تلك الأفعال.