ما وجه إلى هذا الاستدلال من الاعتراضات:
الاعتراض الأول: أن اللَّه تعالى إنما توعد على أمرين لا بد منهما
معاً، ولا ينفصل أحدهما عن الآخر وهما:
١ - مشاقة الرسول
٢ - ترك اتباع سبيل المؤمنين، فيلحق الوعيد بالأمرين معاً،
فثبت أنه لا يتعلق الوعيد بأحدهما على الانفراد، وبناء على ذلك:
فلا يلحق الوعيد التارك لاتباع سبيل المؤمنين منفرداً؛ إذن: لا يجب
اتباع الإجماع، لأنه لا وعيد عليه، فيكون الإجماع ليس بحُجَّة.
جوابه:
يجاب عنهْ بأن هناك قاعدة وهي: أن اللَّه تعالى إذا توعد على
شيئين، فإن الوعيد يلحق بكل واحد منهما على انفراد واجتماع،
لكن لا يجوز أن يلحق الوعيد بأحد الشيئين معيناً، والآخر لا يلحق
به الوعيد.
يؤيد ذلك قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) ،
فإن اللَّه لما جمع بين هذه الأفعال في الوعيد كان منصرفاً
إلى كل واحد منها، فكذلك في هذه الآية وهي: " ومن يشاقق
الرسول.. " قد جمع اللَّه بين هذين الفعلين، وهما: " المشاقة،
ومتابعة غير سبيل المؤمنين " فينصرف الوعيد إلى كل واحد منهما
بانفراد، فلو لم يكن اتباع سبيل المؤمنين محرماً بانفراده، فإنه لا
يمكن أن يقرن بما هو محرم وهو: " المشاقة " كسائر المباحات، ألا
ترى أنه لا يجوز الجمع بين المحرم والمباح في باب الوعيد، فلا
يجوز أن يقال: " من زنا وشرب الماء عاقبته "، وذلك لأن الزنا
محرم، وشرب الماء مباح.