ونزيد هنا: أن المقصود من حجية قولهم: العمل بمقتضاه،
وليست الآخرة دار عمل، وإلا لقال تعالى: " سنجعلكم " فتعبيره
بالماضي يدل على أن قولهم حُجَّة.
الدليل الثالث: قوله تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ)
وجه الاستدلال: أن اللَّه تعالى قد أخبر عن خيرية هذه الأُمَّة بأنهم
يأمرون بكل معروف، وينهون عن كل منكر، وهذا يقتضي كون
قولهم حقاً وصوابا في جميع الأحوال، والخيرية توجب حقيقة ما
اجتمعوا عليه؛ لأنه لو لم يكن حقاً لكان ضلالاً، فإذا اجتمعوا
على مشروعية شيء يكون ذلك الشيء معروفاً، وإذا اجتمعوا على
عديِم مشروعية شيء يكون ذلك الشيء منكراً، فيكون إجماعهم
حُجة.
الدليل الرابع: قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ)
وجه الدلالة: أن اللَّه تعالى أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل
الجزم، ومن أمر اللَّه بطاعته على سبيل الجزم لا بد أن يكون معصوما
عن الخطأ؛ لأنه لو لم يكن معصوما عن الخطأ كان بتقدير إقدامه
على الخطأ يكون قد أمر اللَّه بطاعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك
الخطأ، فثبت أن أولي الأمر المذكورين في هذه الآية لا بد وأن يكونوا
معصومين.
وهؤلاء المعصومون اما مجموع الأفة، أو بعضها، ولا ثالث
لهما.