إلى غير ذلك من الأخبار التي لا تحصى كثرة، البالغة مبلغ التواتر
المعنوي، لم تزل ظاهرة مشهورة بين الصحابة والتابعين لم يدفعها
أحد من أئمة النقل من سلف الأُمَّة وخلفها، بل هي مقبولة من
الجميع -، ومعمول بها، ولم ينكوها أحد، ولم تزل الأُمَّة تحتج بها
في أصول الدين وفروعه.
وجه الاستدلال من تلك الأحاديث على حجية الإجماع من
طريقين:
الطريق الأول: حصول العلم الضروري، فكل واحد من تلك
الأحاديث وإن كان خبر واحد يجوز تطرق الاحتمال إليه، إلا أنه
حصل لنا بمجموعها علما ضرورياً بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد عظم شأن هذه الأُمَّة وأخبر أنها معصومة عن الخطأ، كما علمنا بالضرورة شجاعة عليّ، وكرم حاتم، وإذا عصمت الأُمَّة عن الخطأ فيكون إجماعهم
حُجَة؛ لأنه حق.
الطريق الثاني: حصول العلم الاستدلالي، وذلك من وجهين:
الوجه الأول: أن تلك الأحاديث الآحادية لم تزل ظاهرة مشهورة
بين الصحابة والتابعين، ومن جاء بعدهم، وقد تمسكوا بها فيما
بينهم في إثبات الإجماع من غير خلاف فيها، ولم يزالوا على ذلك
حتى وقت النظام وغيره من المخالفين، ويستحيل عادة توافق الأمم
في عصور مختلفة على التسليم لما لم تقم الحُجَّة بصحته مع اختلاف
الطباع وتفاوت الأفهام والهمم والمذاهب والآراء.
فهذا يدل على عدم اختلاف هؤلاء في استدلالهم بتلك الأحاديث
على ثبوت الإجماع، وأنه حُجَّة.
الوجه الثاني: أن الذين احتجوا بتلك الأخبار الآحادية أثبتوا بها