المسألة الثالثة: إذا اختلف الصحابة على قولين، فهل يجوز
لمن بعدهم إحداث قول ثالث؟ أو تقول: إذا اختلف مجتهدو
أهل عصر في حكم مسألة على قولين، فهل يجوز لمن بعدهم
أحداث قول ثالث؟
اختلف في ذلك على مذاهب:
المذهب الأول: أن القول الثالث إن لزم منه رفع ما اتفقا عليه،
فلا يجوز.
وإن لم يلزم منه ذلك، فإنه يجوز إحداثه ويُعمل به.
مثال الأول: " الجد مع الأخ في الإرث "
اختلف في ذلك على قولين: " قيل المال للجد "، و " قيل المال للجد والأخ يتقاسمانه "
فالقول بحرمان الجد قول ثالث خارق للإجماع فلا يجوز القول به.
مثال الثاني: فسخ النكاح بالعيوب الخمسة - وهي: الجذام،
والجنون، والبرص، والرتق، والعنَّة - اختلف في ذلك على قولين:
" قيل: يفسخ بجميعها "، و "قيل: لا يفسخ بشيء منها "،
فالقول الثالث وهو: إنه يفسخ بالبعض دون البعض لا يرفع ما اتفق
الفريقان عليه؛ لأنه يوافق في كل صورة قولاً، فيجوز ذلك.
وهذا مذهب الإمام فخر الدين الرازي، والآمدي، وابن
الحاجب، والبيضاوي، وروي عن الإمام الشافعي، وهو اختيار
القرافي، وتاج الدين ابن السبكي.
وهو الحق عندي؛ لأن القول الثالث المحدث إذا كان رافعا لما
اتفق عليه الأولون يكون إحداثه مخالفا للإجماع؛ لأن اختلاف
الأولين يتضمن الإجماع على أن ما سواهما باطل، فمخالفة ذلك لا
تجوز، ولذلك منعنا من إحداثه.