المذهب الثاني: أن إجماع أهل المدينة حُجَّة.
وهو مذهب الإمام مالك وجل أصحابه.
دليل هذا المذهب:
أن المدينة المنورة هي معدن العلم، ودار الهجرة، ومهبط الوحي،
ومستقر الإسلام، ومجمع الصحابة وأولادهم، ويوصف أهلها بأنهم
شاهدوا التنزيل وسمعوا التأويل، وكانوا أعرف بأحوال الرسول - صلى الله عليه وسلم - من غيرهم، فيستحيل - والأمر كذلك - اتفاق أهلها على خلاف الحق، أي: يجب أن لا يخرج الحق عن قول أهلها.
جوابه:
يجاب عن ذلك بأجوبة:
الجواب الأول: لا نُسَلِّمُ قولكم: " إن أهل المدينة أعلم من
غيرهم "؛ لأن كثيراً ممن خرج من المدينة وسكن غيرها كان أعلم ممن
بقي فيها، أو مثلهم كعليّ بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن
عباس -، ومعاذ بن جبل، وأبي عبيدة، وأبي موسى الأشعري،
وعمرو بن العاص، وغيرهم مما بلغ ثلاثمائة ونيف انتقلوا إلى
الكوفة، والبصرة، والشام، والطائف، فكيف يعتبر إجماعا من
أهل المدينة إذا خالف هؤلاء الذين خرجوا وهم أكثر علماء الصحابة،
فكان لا ينعقد الإجماع بدون هؤلاء لما كانوا من سكان المدينة،
فكيف ينعقد الإجماع بدونهم لما خرجوا منها، فالحُجة لا تختلف
بالمكان والزمان كقول اللَّه تعالى، وكقول رسوله.
الجواب الثاني: لا نُسَلِّمُ قولكم: " إن الحق يستحيل أن يخرج
عنهم؛ لأن هذا القول تحكم لا دليل عليه؛ حيث إنه لا يستحيل