ويقرب منه - أيضاً - تعريف الجصاص له بقوله: " بأنه ترك
القياس إلى ما هو أوْلى منه "، وكذلك فعل الدبوسي، والسرخسي
وغيرهما من أئمة الحنفية.
ثم جاءت الطبقة التي بعد هؤلاء من علماء الحنفية مثل الكمال بن
الهمام وابن عبد الشكور فلاحظوا تعريفات المتقدمين للاستحسان،
وتعريفات المتأخرين منهم له كالكرخي ومن معه، فجمعوا بينهما
بقولهم: إن الاستحسان قسمان: " عام " و " خاص ".
أما العام فهو كل دليل في مقابلة القياس الظاهر يقتضي العدول
عن القياس من نص، أو إجماع، أو ضرورة، أو غيرها.
أما الخاص فهو القياس الخفي في مقابلة القياس الجلي.
وإذا دققت في تعريفما الجمهور للاستحسان - وهو التعريف الأول
له - وما ذكرناه من أنواع له، ودققت في كلام الحنفية المتقدمين،
وما ذكره الحنفية المتأخرون من تعريفات وشروح وتفسيرات: لوجدت
أن التعريف الأول - وهو: " العدول بحكم المسألة عن نظائرها
لدليل خاص أقوى من الأول "، قد اتفق عليه الحنفية، والمالكية،
والشافعية، والحنابلة، إلا أن الحنفية قد عبروا عنه بلفظ يخالف تعبير
الجمهور.
ومن تتبع واستقرأ ما ورد عن الحنفية من تعريفات، وشروح
وتفسيرات وتطبيقات، لثبت أنهم لا يقولون بأن الاستحسان هو:
"ما يستحسنه المجتهد بعقله "، ولا يقولون بأنه: " دليل ينقدح في
نفس المجتهد يعجز عن التعبير عنه "، ولثبت أنهم يقولون: إن
الاستحسان: العدول في الحكم عن دليل إلى دليل هو أقوى منه،
وهذا مما لا ينكره الجمهور. فكان الخلاف لفظياً.