ومرادهم من هذا: أن الاستحسان دليل يستدل به المجتهد، وهذا
الدليل ينقدح في ذهن المجتهد لا يستطيع أن يظهره بعبارة أو لفظ.
بيان فساد هذا الثعريف:
أن هذا التعريف فاسد؛ لأن الدليل الذي لا يستطيع المجتهد أن
يفصح عنه - ويظهره، ويعبر عنه بلفظ لا يعلم هل هو وهم توهم
المجتهد أنه دليل، أو ليس كذلك، فلا بد للمجتهد من إظهاره،
والتعبير عنه بلفظ مفهم حتى نسبره ونختبره بواسطة الأدلة الشرعية
الأخرى، فإما أن نصححه، ويكون دليلاً معتبراً، أو نبطله فلا
يعتبر، أما الحكم بما لا يدرى ما هو فمن أين يعلم جوازه أبضرورة
العقل، أو نظره، أو بسمع متواتر أو آحاد، ولا وجه لدعوى شيء
من ذلك.
بيان نوع الخلاف:
الخلاف في الاستحسان خلاف لفظي، بيان ذلك:
أن متأخري الحنفية لما رأوا هذا الإنكار الشديد على التعريف
الثاني، والتعريف الثالث للاستحسان اللذين نقلا عن بعض الحنفية
المتقدمين حاولوا أن يصححوا هذين التعريفين بسبب استقرائهم
وتتبعهم للفتاوى الصادرة عن أئمة الحنفية المتقدمين، فأتوا بتعريفات
تناسب الاستحسان الذي كان يطبقه المتقدمون منهم.
فقال أبو الحسن الكرخي: إن لفظ الاستحسان عندهم ينبئ عن
ترك حكم إلى حكم هو أوْلى منه، لولاه لكان الحكم الأول ثابتا.
ويقرب من ذلك قول بعض الحنفية: " الاستحسان: ترك طريقة
للحكم إلى أخرى أوْلى منها لولاها لوجب الثبات على الأولى ".